الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

شعراء العربية النصارى (3)

المسيحية والدولة الأموية:
قبيل بعثة النبوة كانت القوة المسيحية ممثَّلة أساسًا في الدولة البيزنطية أو ما يعرف بالإمبراطورية الرومانية الشرقية، وذلك بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية سنة 476م (قبل ميلاد الرسول بمائة سنة تقريبًا). وكانت الدولة الرومانية الشرقية تسيطر على شرق أوربا بكامله، إضافةً إلى الأناضول، وفوق ذلك فإنها كانت تحتل بلاد الشام ومصر وشمال إفريقيا، فصارت بذلك أعظم دولة في العالم، ولقد عرف البحر الأبيض المتوسط ببحر الروم لأن الأملاك الرومانية كانت تحيط به من كل جانب. وكان المسيحيون في خارج الدولة البيزنطية لا يمثِّلون كيانًا كبيرًا إلا في بقاع متفرقة:

-         غرب أوربا: إنجلترا، فرنسا، إسبانيا، ألمانيا، إيطاليا.

-         إفريقيا: الحبشة أساسًا.

-         الجزيرة العربية: نصارى الشام من العرب (الغساسنة/ تغلب/...)، نصارى اليمن ونجران.

-         آسيا: لم يكن فيها نَصَارى تقريبًا.

ثم ظهرت الدعوة الإسلامية في بدايات القرن السابع الميلادي، وهي دعوة للناس كافة. يقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28]. ويقول الرسول: "وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلى النَّاسِ عَامَّةً" ورد هذا الحديث في صحيح البخاري ومسلم ومسند أحمد .

استلزم ذلك أن يُرسِل رسول الله الرسائل إلى ملوك وأمراء العالم، وذلك في بدايات العام السابع الهجري بعد صلح الحديبية. وأهمهم: هرقل قيصر الروم، وكذلك: النجاشي ملك الحبشة، والمقوقس زعيم مصركما ورد في كتاب " المصنف في الأحاديث والأثر" على لسان ابن شيبة.

وجاء في صحيح البخاري كتاب بدء الوحي وباب كتاب النبي إلى هرقل ومع يقين هرقل بصدق النبوة كما سيظهر من حواره مع أبي سفيان إلا أنه لم يؤمن؛ وذلك حفاظًا على ملكه، بل سنراه بعد ذلك يجهِّز الجيوش لحرب المسلمين عدة سنوات. كذلك حدثت تطورات خطيرة في العلاقة الإسلامية المسيحية، عندما قُتل بعضُ رسل رسول الله إلى زعماء النصارى، وتحديدًا الحارث بن عُمَيْر الأزديّ الذي قتله شُرَحْبِيل بن عمرو الغسَّاني حسب ما ذكر ابن حجر في كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة"؛ مما أدى إلى الصدام العسكري الأول بين المسلمين والمسيحيين في موقعة مؤتة سنة 8هـ، التي انتهت بانتصار المسلمين وتراجع الرومان، وكذلك انسحاب خالد بن الوليد بالجيش مكتفيًا بزوال هيبة الجيش النورماني العملاق على حد قول ابن هشام عن غزوة مؤتة في "السيرة النبوية".  ويضيف في حديثه عن غزوة تبوك وأتبع ذلك ببوادر صدام ضخم لم يتم، وكان ذلك في تبوك سنة 9هـ؛ حيث انسحبت الجيوش الرومانية ولم يحدث قتال، وإن كان ظهر للعيان قوة الدولة الإسلامية الناشئة.

ولم تكن كل العلاقة الإسلامية المسيحية علاقة حروب، بل كانت هناك علاقات أخرى كثيرة من التعايش والتعاهد، مثلما حدث مع الحبشة ونصارى نجران ونصارى أيلة وغير ذلك.

ولكن وضح في الصورة أن الدولة البيزنطية ستحمل لواء الصراع مع المسلمين في السنوات، بل القرون المقبلة.

ويقول دكتور راغب السرجاني في كتابه عن تاريخ النصرانية العربية وصراعها مع الدولة الإسلامية الوليدة مستندا الى كتاب تاريخ الأمم والملوك للطبري ثم كان الصدام مباشرًا في عهد الخلفاء الراشدين وقويًّا أيام خلافة أبي بكر الصديق t، ثم عمر بن الخطاب t، وكانت المعارك الشهيرة التي انتصر فيها المسلمون مثل أجنادين وبيسان، ثم موقعة اليرموك الكبرى، ثم فتح دمشق وحمص وحماة، ثم فتح بيت المقدس وسقوطه في أيدي المسلمين، وبالتالي فتح كل مدن فلسطين ولبنان وسوريا وأجزاء من تركيا، كل ذلك في غضون سبع سنوات فقط؛ حيث بدأت هذه المعارك في (12هـ) 633م، وسقطت قيصريَّة سنة (19هـ) 640م، وهي آخر معاقل الدولة البيزنطيَّة جنوب جبال طوروس.

ثم تطوَّر الصدام ليكسب المسلمون جولة ثانية مهمة جدًّا بعد الشام وفلسطين وهي مصر؛ حيث انتصر المسلمون على جيوش الرومان التي كانت تحتل مصر أكثر من تسعمائة سنة، فكان الفتح الإسلامي لمصر بقيادة عمرو بن العاص t في سنة (20هـ) 641م، ثم وصلت الفتوح إلى برقة بليبيا سنة (22هـ) 643م.
وفي كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير ورد أنه في جولة جديدة، وحلقة أخرى من حلقات الصراع وصل المسلمون إلى شمال إفريقيا في زمن الخلافة الأموية أيام معاوية بن أبي سفيان t، حيث قام عقبة بن نافع بفتح تونس سنة (43هـ) 664م، ودارت حروب شتى بين المسلمين والدولة البيزنطية مشتركة مع البربر، انتهت بضم كل شمال إفريقيا للدولة الإسلامية، ودخول البربر بأعداد كبيرة في الإسلام.
 ويكمل ابن عذارى( البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب 2/27 ) ثم فتحت في سنة (92هـ) 711م جبهة جديدة لحرب الصليبيين، حيث فتحت الأندلس بقيادة موسى بن نصير وطارق بن زياد، وأتمَّ المسلمون السيطرة عليها في غضون ثلاثة سنوات ونصف، بل وتجاوزوها إلى فرنسا، ودارت هناك مواقع كثيرة اقتسم فيها الفريقان النصر، وإن كان النصر في فرنسا في النهاية كان للصليبيين في موقعة بلاط الشهداء سنة (114هـ) 732م، التي أوقفت المد الإسلامي في أوربا، ونشأت بعض الممالك النصرانية في شمال الأندلس، أهمها ليون وقشتالة وأراجون ثم البرتغال بعد ذلك، ودارت بينهم وبين المسلمين حروب متعددة على مدار عدة قرون.  
وعلى هذا فقد صار هناك جبهتان للصراع بين الأمة الإسلامية وبين نصارى أوربا؛ أما الجبهة الأولى فهي بين الدولة الإسلامية في المشرق متمثلة في الخلافة الأموية، ثم العباسية ضد الدولة البيزنطية.
ونكمل مع  الطبري( تاريخ الأمم والملوك 4/61). وأما الجبهة الثانية فكانت بين الدولة الإسلامية في الغرب وهي الأندلس، وبين الممالك النصرانية في شمال الأندلس متعاونة كثيرًا مع فرنسا، وأحيانًا مع إنجلترا وألمانيا وإيطاليا.
وحيث كانت الخلافة الأموية تتخذ من بلاد الشام مركزًا لها، فإن الحروب بينها وبين الدولة البيزنطية كانت كثيرة، بل كانت هناك محاولات حقيقية لفتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، ولكن كلها لم تفلح.
وكان للنصارى دور كبير في الحركة العلمية والفكرية في الدولة الأموية كما ذكر ابن ابي أصيبعه أنهم  اشتهروا في خدمة ملوك بني أُميّة . فمنهم اصطفن القديم ، الذي " نقل  لخالد بن يزيد بن معاوية  كُتُبَ الصنعة وغيرها "  ، والصنعة هى الكيمياء (Alchimie).
أمّا الأطبّاء ، فأشهرهم : ابن أثال ، الذي ذكره ابنُ أبي أُصيبعة قال : " كان طبيباً متقَّدماً ، من الأطبّاء المتميّزين في دمشق ، نصراني ّ المذهب . ولما ملك معاوية بن أبي سُفيان]سنة 41/661[ على دمشق ، اصطفاه لنفسه وأحسن إليه . وكان كثيرَ الافتقاد له ، والاعتقاد به ، والمحادثة معه ليلاً ونهاراً  "   أما أبو الحكّم ، فإنه " كان طبيباً نصرانيَّاً ، عالماً بأنواع العلاج والأدوية وله أعمال مذكورة وصفات مشهورة . وكان يستطبه معاوية ابن أبي سُفيان]41-60/661-680[ ، ويعتمد عليه في تركيبات أدويةٍ لأغراضٍ قصدها منه ". ثّم تبعه ابنُه الحَكَم الدمشقي في المهنة ،  و" كان يلحق بأبيه في معرفته بالمداواة والأعمال الطبيّة والصفات البديعة ، وكان مقيم في دمشق "  وخّلفَ ابناً ، عُرف  بابي الحسن عيسى ، " وهو المشهور بمسيح ، صاحب الكنائش الكبيرةً الذي يُعرف به ويُنسب إليه "  وكان في خدمة هارون الرشيد (170-193/786-809) ، ووضع له " الرسالة الكافية الهَارونيّة " . وله أيضاً "كناش" استشهد به مراراً الرازي في " الحاوي" . وله  " كتاب منافع الحيوان " ، و"رسالة في الأعشّاب والعقاقير " ، وكتاب أخر ، غُفَِّل ".
ومنهم تباذق قال ابن أبي أُصيبعة : " كان طبيباً فاضلاً ، وله نوادر وألفاظ مستحسنة في صناعة الطبّ . وعمر . وكان من أوّل دولة بَنيّ أُميّة ، مشهوراً عندهم بالطبّ . وصحب أيضاً الحجّاج بن يوسف الثقفي ]ت95/7124[  . المتولى من جهة الملك ابن مروان ، وخدمه بصناعة الطبّ  . وكان يعتمد عليه ، ويثق بمداواته . وكان له الجامكية  الوافرة ، والافتقاد الكثير " وله من الكتب :
" كُناشّ كبير" ألَّفه لإبنه ، وكتاب إبدال الأدوية ، وكيفية دقّها وإيقاعها وإذابتها ، وشيء من تفسير أسماء الادوية " ، و " الفصول في الطبّ ، و" قصيدة في حفظ الصحّة "  ، ترجمها أبو على ابن سينا الفارسي وترجمها مرة ثانية إلى الفارسي عادل شيرازي.
 ومنهم الملك بن أبجر الكناني . " كان في أوّل أمره مقيماً في الإسكندرية ،لأنه كان المتولي في التدريس فيها عندما كانت البلاد في ذلك الوقت لملوك النصارى . ثمّ أن المسلمين ، لما أستولوا على البلاد وملكوا الإسكندرية ، أسلم ابن أبجر على يد عمر بن عبد العزيز ، وكان حينئذٍ أميراً قبل أن تصل إليه الخلافة وصحبه " وهذا تمّ سنة 98/717  ومنهم أبو جُريج الراهب الذي عاش في أواخر دولة بني أُميّة . وقد ذكره الكندي في " الاختيارات " ، والرازي في " الحاوي " وله من الكتب : " كتاب في المُسهلات " ، " وإصلاح الأدوية " و " تذكرة للنِقرِس ".
د. السيد عبد الله
المنوفية - مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق