الأربعاء، 7 ديسمبر 2011

قس بن ساعدة

قس بن ساعدة

قس بن ساعدة بن عمرو بن عدي بن مالك.

قساوسة مكة
قسوس مكة يذكر منهم فى عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم القس ورقة بن نوفل والقس ساعدة بن الأيادى. ويذكر المؤرخون أنهم كانوا من الطائفة النصرانية الذين يطلق عليهم الأبيونيين والنصارى ليسوا المسيحيين وإنما فئة خارجة عن المسيحية . 
انتشرت النصرانية بين العرب حتى قريش وكان من أكبر أغنيائها نصارى وقساوسة ،  فقد قال اليعقوبي : وأما من تنصر من أنحاء العرب فقوم من قريش من بني أسد بن عبد العزى منهم عثمان بن الحويرث بن عبد العزى وورقة بن نوفل من أسد  وقد ساق هذه الحقيقة التاريخية برهان الدين دلو ، جزيرة العرب قبل الإسلام الجزء الثاني  
 أول من تنصر من ملوك الحيرة النعمان بن المنذر ، قيل على يد الجاثليق عبد يشوع ، وقيل على يد عدي بن زيد العبادي ، ودان بالنصرانية كثير من قبائل العرب النازلين بالحيرة أو بالمنطقة المحيطة بها من بينهم  تغلب من بطون من بكر بن وائل في ديار بكر ، وكانت هند بنت النعمان زوجة المنذر بن امرئ القيس مسيحية ، فنشأ ابنها عمرو بن المنذر الذي تولى حكم الحيرة فيما بين عامي 554 / 569 م مسيحياً ، وإلى هند هذه ينسب دير هند الكبرى بالحيرة  وكانت تنقلات القبائل أو بطونها أو أفخاذها مستمرة بين أطراف الجزيرة ووسطها ، ولذا فإن قبيلة تغلب هذه لم تكن هي الوحيدة التي تفشت فيها النصرانية بل الكثير غيرها مثل  إياد قبيلة قس بن ساعدة وتميم وحنيفة وقضاعة وغيرها 
القس بن ساعدة الأيادى 
قس بن ساعدة بن عمرو بن عدي بن مالك، ت 23 ق هــ م وهو من بني إياد أحد حكماء العرب، ومن كبار خطبائهم، في الجاهلية كان أسقف نجران، ويقال إنه كان أول عربي خطب متوكئا على سيف أو عصا، وأول من قال في كلامه " أما بعد " وكان يذهب إلى قيصر الروم ، زائرا، فيكرمه ويعظمه  وهو معدود في المعمرين ، طالت حياته وأدركه النبي صلى الله عليه وسلم ، قبل الوحى ، ورآه في عكاظ (انظر. الأعلام، الزركلي 5/236)
كان يعرف النبي صلى الله عليه وسلم وينتظر ظهوره ويقول: إن لله دينا خير من الدين الذي أنتم عليه.
وكان النبي يترحم عليه ويقول: يحشر يوم القيامة امة واحدة.
حدثنا أبي رضي الله عنه قال: بينا رسول الله ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكة إذ أقبل إليه وفد فسلموا عليه، فقال رسول: من القوم؟ قالوا: وفد بكر بن وائل، قال: فهل عندكم علم من خبر قس بن ساعدة الايادي؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: فما فعل؟ قالوا: مات، فقال رسول الله: الحمد لله رب الموت ورب الحياة، كل نفس ذائقة الموت، كأني أنظر إلى قس بن ساعدة الايادي وهو بسوق عكاظ على جمل له أحمر وهو يخطب الناس ويقول: اجتمعوا أيها الناس، فإذا اجتمعتم فأنصتوا فاذا أنصتم فاستمعوا، فإذا أستمعتم فعوا، واذا وعيتم فاحفظوا، فإذا حفظتم فاصدقوا، ألا إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو اّت اّت ، إن في السماء لخبرا وان في الارض لعبرا، سقف مرفوع، ومهاد موضوع، ونجوم تمور وليل يدور، وبحارتغور، يحلف قس ما هذا بلعب وإن من وراء هذا لعجبا، مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا؟ أم تركوا فناموا؟ يحلف قس يمينا غير كاذبة إن لله دينا هو خير من الدين الذي أنتم عليه.
وبلغ من حكمة قس بن ساعدة ومعرفته أن النبي صلى الله عليه كان يسأل من يقدم عليه من أياد من حكمه ويصغي إليه سمعه.
وجاء في مروج الذهب للمسعودي: "وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم وَفد من إياد، فسألهم عنه، فقالوا: هلك، فقال: رحمه اللّه ، كأنني أنظر إليه بسوق عُكَاظ على جمل له أحمر، وهو يقول: أيها الناس، اجتمعوا واسمعوا وَعُوا، مَنْ عاش مات، ومَن مات فات، وكل ما هو آت ات، أما بعد فإن في السماء لخبراً، وإن في الأرض لعبراً، نجوم تمور، وبحار تغور، وسَقْف مرفع، ومهاد موضوع، أقسم قس باللّه قسماً لا حانثاً فيه ولا آثماً، إن اللّه لدينا هو أرضى من دين أنتم عليه، مالي أراهم يذهبون ولا يرجعون، أرَضُوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا. سبيل مؤتلف، وعمل مختلف. وقال أبياتاً لا أحفظها، فقام أبو بكر رضي اللهّ عنه فقال: أنا أحفظها يا رسول الله، فقال : هاتها، فقال:  
في الذَّاهِـبِـينَ الأوَّلـي              ن مِنَ الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ
لمـا رَأيْتُ مَـــوَارِداً                لْلمَوْتِ لَيْسَ لَها مَصَادرْ
ورَأيْتُ قَوْمي نَحْـوَهـا            تمْضِي الأوَائِلُ وَالأوَاخِرْ
لَا يَرْجِعُ المـاضـي، ولَا          يَبْقَى مِنَ الْبَاقِينَ غَـابِـرْ
أيْقَنْـتُ أنـي لَا مـحـا                      لة  حَيْثُ صَار الْقَوْمُ صائِرْ

فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : رحم اللّه قسا، إني لأرجو أن يبعثه الله أمة وحْده.قال المسعودي: ولقس أشعار كثيرة وحِكَمٌ، وأخبار تُبصِّر في الطب الزجر والفأل وأنواع الحكم، وقد ذكرنا ذلك في كتاب أخبار الزمان وفي الكتاب الأوسط.

قس بن ساعدة خطيب العرب وشاعرها وحليمها وحكيمها في عصره، كان أسقف نجران يقال أنه أول من علا على شرفٍ وخطب عليه، وأول من قال: أما بعد، وكان مؤمناً بالله والبعث، وقد أدرك الرسول ورآه بعكاظ وقد أثر الرسول عنه كلاماً وقال عنه (يرحم الله قساً إني لأرجو أن يبعث يوم القيامة أمة وحده).

ومن خطبه المأثورة: (أيها الناس اسمعوا وعوا، وإذا وعيتم فانتفعوا، إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت….).

أشعار قس بن ساعدة الأيادي 
يكاد يجمع المؤرخون على موته قبل البعثة بقليل  وقد ورد أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يسمع إليه في سوق عكاظ وقال عنه " والذي بعثني بالحق ، لقد أمن قس بالبعث " (الجاحظ  البيان تحقيق عبد السلام هارون ، القاهرة 1948 ، ج1 ص 309 ، المرجع العرب قبل الاسلام- سيد القمنى)  
والحق لأي إنسان مؤمن بالكتاب المقدس هو السيد المسيح الذي قال عن نفسه  " أنا  هو لا قيامة والحق والحياة ".  
يا ناعي الموت والأصوات في جدث ، عليهم من بقايا برعم خرق 
دعهم فان لهم يوما يصاح بهم ، فهم إذا انتبهوا من نومهم فرقوا
حتى يعودوا لحال غير حالهم  ،   خلقا جديدا كما من قبله خلقوا 
فيهم عراة ومنهم في ثيابهم ، منها الجديد ومنها المبهج الخلق
 ويصف الكون سجعا قائلا: 
ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وأرض مدحاة ، وانها مجردة ، ان في السماء لخبرا، وان في الأرض لعبرا 
وأورد سيد القمنى فى فصل جذور الأيديولوجيا الحنفية نقلا عن  الألوسي  بلوغ الأرب ، ج2 ، ص 244 هذه الخطبة البليغة لقس بن ساعدة: 
أيها الناس ؛ اسمعوا وعوا ؛ فإذا وعيتم فانتفعوا ، إنه من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت  إن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا ، جهاد موضوع ، وسقف مرفوع ، ونجوم  تمور ، وبحار لن تغور ، ليل داج ، وسماء ذات أبراج ، أقسم قس قسما حتما ، لئن كان في الأرض رضي ليكونن بعده سخطا ، وإن لله دينا هو أحب إليه من دينكم . 
والقس بن ساعدة الذى قال أن الله ليس بمولود ولا والد و الله لم يلد ولم يولد كلا، بل هو الله المعبود الواحد ، ليس بمولود ولا والد ، أعاد وأبدي ، وإليه المآب غدا (الشهر ستاني  الملل والنحل، المطبعة الأزهرية ، القاهرة ، 1951 ، ص 96 ) 
وعن حقيقة الموت يقول:  
في    الذاهِبينَ     الأَوَّلي        نَ مِنَ القُرونِ لَنا    بَصائِر
لَمّا     رَأَيتُ        مَوارِداً        لِلمَوتِ لَيسَ  لَها    مَصادِر
وَرَأَيتُ   قَومي      نَحوَها        تَمضي الأَصاغِرُ   وَالأَكابِر
لا  يَرجِعُ  الماضي     وَلا        يَبقى  مِنَ  الباقينَ     غابِر
أَيقَنتُ   أَنّي    لا      مَحا        لَةَ حَيثُ صارَ القَومُ صائِر

(سيد القمنى فى ) الحزب الهاشمى  فصل جذور الأيديولوجيا الحنفية نقلا عن عبد القادر البغدادي ، خزانة الأدب ، تحقيق عبد السلام هارون ، دار الكتاب العربي 1967 ، ج2 ، ص 264 ومن أمثلة ما كُتب قبل محمد(صلعم) ما قاله قس بن ساعدة، فكان يقول " أين من بغى وطغى وجمع فأوعى " وقال " أنا ربكم الأعلى ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً وأطول منكم آجالاً طحنهم الثرى بكلكلهِ ومزّقهم بتطاولهِ فتلك عظامهم بالية وبيوتهم خاوية عمَّرتها الذئاب العاوية "(1 وذكر ابن كثير أن أبا بكر هو قائل هذا الكلام وهو يتحدث في حضور محمد(صلعم) مع وفد أياد عن قس بن ساعدة .

جاء في الأعلام 5/196 للزركلي:
هو قس بن ساعدة بن عمرو بن عدي بن مالك ، من بني أياد: أحد حكماء العرب ، ومن كبار خطبائهم في الجاهلية (00000-نحو 23 قبل الهجرة / نحو 600 ميلادية). كان أسقف نجران ، ويقال: إنه أول عربي خطب متوكئا على سيف أو عصا ، و أول من قال في كلامه : "أما بعد". وكان يفد على قيصر الروم زائرا، فيكرمه ويعظمه، وهو معدود في المعمرين ، طالت حياته وأدركه النبي قبل النبوة، ورآه في عكاظ ، وسئل عنه بعد ذلك فقل: يحشر أمة وحده.

وروي في قصة القصيدة التالية أن رجلا قال للرسول صلى الله عليه وسلم: يارسول الله: لقد رأيت من قس عجبا. قال: وما رأيت؟ بينا أنا بجبل يقال له سمعان ، في يوم شديد الحر ، إذا أنا بقس بن ساعدة تحت ظل شجرة عند عين ماء ، وعنده سباع ، كلما زأر سبع منها على صاحبه ضربه بيده وقال كف حتى يشرب الذي ورد قبلك. قال: فخفت. فقال: لا تخف. وإذا أنا بقبرين بينهما مسجد ، فقلت له: ما هذان القبران؟ قال: هذان قبرا أخوين كانا لي ، فماتا، فاتخذت بينهما مسجدا أعبد الله جل وعز فيه حتى ألحق بهما  ثم ذكر أيامهما فبكى ، ثم أنشأ يقول:

خَليلَيَّ    هُبّا    طالَما    قَد      رَقَدتُّما        أَجِدَّكُما     لا     تَقضِيانِ        كَراكُما
أَلَم    تَعلَما    أَنّي    بِسِمعانَ      مُفرَدٌ        وَما   لِيَ   فيها   مِن   خَليلٍ   سِواكُما
أُقومُ   عَلى   قَبرَيكُما   لَستُ      بارِحاً        طِوالَ   اللَيالي   أَو   يُجيبَ     صَداكُما
جَرى المَوتُ مِجرى اللَحمِ وَالعَظمِ مِنكُما        كَأَنَّ   الَّذي   يِسقي   العُقارَ      سَقاكُما
تَحَمَّلَ  مَن   يَهمى   العُقولَ     وَغادَروا        أَخاً  لَكُما   أَشجاهُ   ما   قَد     شَجاكُما
فَأَيُّ   أَخٍ   يَجفوا   أَخاً   بِعدَ      مَوتِهِ        فَلَستُ  الَّذي  مِن  بَعدِ   مَوتٍ     جَفاكُما
أَصُبُّ   عَلى   قَبرَيكُما   مِن      مُدامَةٍ        فَإِلّا      تَنالاها      تُرَوِّ          جُثاكُما
أُناديكُما     كَيما     تُجيبا        وَتَنطِقا        وَلَيسَ   مُجاباً   مَوتُهُ    مَن      دَعاكُما
أمن  طول  نوم  لا    تجيبان     داعيا         خليلي ما  هذا   الذي     قد      دهاكما
كَأَنَّكُما     وَالمَوتُ     أَقرَبُ       غايَةٍ        بِروحِيَ   في   قَبرَيكُما    قَد      أَتاكُما
قَضَيتُ    بِأَنّي    لا    مَحالَةَ      هالِكٌ        وَأَنّي  سَيَعروني   الَّذي   قَد     عَراكُما
فَلَو    جُعِلَت    نَفسٌ    لِنَفسٍ      وِقايَةً        لَجُدتُّ   بِنَفسي   أَن    تَكونَ      فِداكُما
سأبكيكما   طول   الحياة  و    ما الذي        يرد   على   ذي   عولة  إن      بكاكما

ومن حكيم أشعاره ، وقد ذكر الموت فيها أيضا:

هاجَ  لِلقَلبِ  مِن  هَواهُ    اِدِّكارُ        وَلَيالٍ      خِلالَهُنَّ         نَهارُ
وَجِبالٌ    شَوامِخٌ       راسِياتٌ        وَبِحارٌ     مِياهُهُنَّ        غِزارُ
وَنُجومٌ   يَحُثُّها    قَمَرُ      اللَي        لِ وَشَمسٌ  في  كُلِّ  يَومٍ    تُدارُ
وَضَوؤُها يِطمُسُ العُيون وَإِرعا        دٌ  شَديدٌ  في  الخافِقينِ     مُثارُ
وَغُلامٌ    وَأَشمَطٌ       وَرَضيعٌ        كُلُّهُم  في  التُرابِ  يَوماً    يُزارُ
وَقُصورٌ   مَشيدَةٌ   حَوَتِ     ال        خَيرَ وَأُخرى خَوَت  فَهُنَّ    قِفارُ
وَكَثيرٌ    مِمَّ    تُقَصِّرُ      عَنهُ        حَدسَةُ الناظِرِ  الَّذي  لا    يَحارُ
وَالَّذي قَد ذَكَرتُ دَلَّ  عَلى    اللَ        هِ  نُفوساً  لَها  هُدىً     وَاِعتِبارُ

وقال كذلك في الموت:

يا ناعِيَ المَوتِ وَالمَلحودُ في جَدَثٍ        عَلَيهِمِ  مِن  بَقايا   خَزِّهِم     خِرَقُ
دَعهُم فَإِنَّ  لَهُم  يَوماً  يُصاحُ    بِهِم        فَهُم إِذا  اِنتَبَهوا  مِن  نَومِهِم    فُرُقُ
حَتّى  يَعودوا  بِحالٍ  غَيرِ    حالِهِم        خَلقاً جَديداً  كَما  مِن  قَبلِها    خُلِقوا
مِنهُم  عُراةٌ   وَمِنهُم   في   ثِيابِهِم        مِنها الجَديدُ  وِمِنها  المَنهَجُ  الخَلَقُ

ومن شعر التأمل قوله:

مَنَعَ   البَقاءَ   تَقَلُّبُ   الشَمسِ        وَطُلوعُها مِن حَيثُ لا    تُمسي
وَطُلوعُها   حَمراءَ      صافِيَةً        وَغُروبُها  صَفراءُ     كَالوَرسِ
تَجري عَلى كَبِدِ  السَماءِ    كَما        يَجري حِمامُ المَوتِ في النَفسِ

ومن أشعاره الدينية قوله:

الحَمدُ   لِلَّهِ      الَّذي        لَم يَخلُقِ الخَلقَ عَبَث

وَيَخلُفُ قَومٌ خِلافاً لِقَومٍ        وَيَنطِقُ  لِلأَوَّلِ    الأَمَّلُ

ومن شعر الحكمة قوله:

قَد كُنتُ أَسمَعُ  بِالزَمانِ  وَلا    أَرى        أَنَّ  الزَمانَ  يُطيقُ  نَتفَ     جَناحي
فَأَراهُ  أَسرَعَ  فِيَّ  حَتّى   أَصبَحَت        بيضاً مُتونُ عَوارِضي مِن    أَراحي
وَأَنا   الكَبيرُ   لِنِسبَةٍ   في     قَومِهِ        هَيهاتَ  كَم  ناسَمتُ  مِن    أَرواحي
صافَحتُ ذا  جَدَنٍ  وَأَدرَكَ    مَولِدي        شَمِرُ  بنُ   عَمرٍو   يُتَّقى   بِالراحِ
وَالقَيلُ   ذو   يَزَنٍ   رَأَيتُ   مَحَلَّهُ        بِالقَهرِ   بَنيَ    جَنادِلٍ      وَصِفاحِ
فَتَكَ  الزَمانُ  بِمُلكِ   حِميَرَ     فَتكَةً        تَسعى    بِكُلِّ    عَشِيَّةٍ      وَصَباحِ
أَودى  أَبو   كَرِبٍ   وَعَمرٌو   قَبلَهُ        وَأَبادَ    مُلكَ    أُذَينَةَ       الوَضّاحِ
وَأَبادَ    أَفريقيسَ    بَعدَ       مَقامِهِ        في  المُلكِ   بِالمُستَغرِقِ     المُجتاحِ
وَالصَعبُ ذو القَرنَينِ  أَصبَحَ    ثاوِياً        بِالحِنوِ   بَينَ   تَلاعُبِ      الأَرواحِ
وَغَدا  بِأَبرَهَةَ   المَنار     فَأَصبَحَت        أَيّامُهُ       مَسلوبَةَ         الإِصباحِ
أَخنى عَلى صَيفي  بِحادِثِ    صَرفِهِ        مُستَأثِراً      بِجَذيمَةَ        الوَضّاحِ
آفآيْنَ    عَلكَدَةُ    الهُمامُ      وَمُلكُهُ        أَم   أَينَ    عِزُّ    عَبادَةَ      الفَتّاحِ
لا تُمسِ في شَكِّ المُنونِ  أَما    تَرى        أَيّامُهُ      مَشهورَةَ         الإيضاحِ
لا   تَأمَنَن   مَكرَ   الزَمانِ      فَإِنَّهُ        أَردى   الزَمانُ   بِشَمَّرَ     الوَضّاحِ
بَرَكَ الزَمانُ عَلى اِبنِ هاتِكِ   عَرشِهِ        وَعَلى   أُذَينَةَ    سالِبِ      الأَنواحِ
وَعَلى  الَّذي  كانَت  بِموكَلِ     دارِهِ        نُهبُ  القِيانِ   وَكُلِّ   أَجرِ   وِشاحِ
مِن بَعدِ مُلكِ الصينِ  أَصبَحَ    هالِكاً        أَكرِم   بِهِ   مِن   هالِكٍ      مُجتاحِ
إِنَّ   الَّذينَ   تَمَلَّكوا   وَقَد     أُهلِكوا        وَعَلى   المُقَنَّعِ    حَلَّ      بِالأَبراحِ
شَخَصَت عَلى بُعدِ النَوى أَشخاصُهُم        فَراتَهُم      الأَوهامُ        كَالأَشباحِ
أَفَبَعدَ  أَملاكٍ  مَضَوا   مِن     حِميَرِ        يُرجى  الفَلاحُ  وَلاتَ  حينَ    فَلاحِ
مَن  ذا  تَصافَقَ  كَفُّهُ  كَفَّ    الرَدى        يَشري  التُقى  عَن  بَيعَةِ    الأَرواحِ

وقوله:

كُلُّ يَهماءَ يَقصُرُ الطَرفُ عَنها        أَرقَلَتها     قِلاصُنا       إِرقالا

هذا ما وصل إلينا من أشعار القس بن ساعدة اليادي وهو قليل جدا ، وما ضاع من شعر هذا الحكيم من أشعار ومن خطب ، كان لا بد سيثري الأدب العربي ويفتح مجالا لفهم أوسع وصورة شاملة للحياة الدينية والعقلية عند العرب قبل الإسلام.


د. السيد عبد الله
المنوفية - مصر